Monday, January 15, 2007

أحذية كثيرة ولكنها مهترئة

بدت لي أول الأمر مختلفة تماما، شهية أكثر مما ينبغي بالنسبة إليهم، فعلى نغمات موسيقى شرقنا المجنون تكشفت ملامح أشياء جديدة ومخططات تلوح في الأفق، تمايلت بخفة واتقان عجيبين حتى استنفذت كل ما لديها من طاقات وهمم، حاولت أن أعرف من خلال عينيها الملطختين بكل شيء الا البراءة التي عهدتها فيهما، إن كان كل ما تقوم به متعة وجولة إغراء أخرى أم مجرد انتقام..
قبل ذلك كان الجميع يستمتعون في النظر إلى الوجه، حيث عالم الفرح الحقيقي، وأما الآن فهم يستمتعون بكل ما هو دون عنقها، معالمها الأنثوية التي لم تكتمل بعد، كيف يمكن لهم أن يحصلوا عليها كما هي، لذيذة بريئة، جريئة ساذجة متفهمة، ولكن ما يعييني هو أنهم يتوهمون ذلك حيث أن أحدا لا يعرفها كما أعرفها أنا، كما درستها كما حفظتها عقدا ونصفا من الزمن، فعلى الرغم من جميع الحواجز التي حاولوا أن يضعوها بيننا مؤخرا والعزلة التي ترك كل منا فيها، ما زلت أرى نظرة وقعها أمرُ من هبيد الحنظل كلما تلاقت أعيننا، كانوا يظنون بأني قد أفرح لفرحهم ولأنهم اتخذوا القرار الذي يعتبرونه صائبا وأجزم بأنه الأغبى، من المؤكد بأنه لن تنتابني سعادة للتفريط بجزء من روحي وجسدي، شيء منها تغلغل في داخلي قبل أن تضرب بقدميها الرقيقتين أجزاء جسدي فتمزقه وتهلك نفسها إلى الأبد، ليسيل لعابهم فحسب.
إن كانت ستفرح بالفساتين الكثيرة الملونة فسأشتري لها ألف دمية وملابسها، إن كانت ستفرحها كلمات الحب والغزل فسأرشدها إلى طريقة تكبح بها رغباتها التي غدت شرسة مدة أطول، وليتها تقنع بأن كل تلك الكلمات مؤقتة ستنتهي عاجلا أم آجلا، هل وعدوها ببيت أشبه بقصر يلدز وغرفة جلوس تجهزها على هواها وتمارس فيها لعبة الملكة التي لا تفارق أريكتها المخملية النبيذية، سأحضر لها ملايين كتب الغابة الخضراء وروايات الخيال، وأما الرحلات والنزهات وعبور البحار فستجده لدي، سأمنحها كل ذلك على طريقتي ولكن أتركوها لي وأنهوا عزلتنا.
ها هي تنتهي أمامي قبل أن تولد من رحم الرعونة، أقنعوها بأن أوضاعهم المادية لم تعد تسمح بإيواها في المنزل بكلمات جميلة، ستضحين بكل شيء من أجل أشقائك ووالداك ولن ينسى أحد ذلك الصنيع لك، فأخوك الأكبر قد تزوج وبالرغم من التزاماته الحياتية إلا أنه ما زال يضع في يد والدتك نقودا لتعيلك أنت وشقيقاتك فيبقى البيت مفتوحا، أما إن ذهبت أنت فسيخف الحمل وتنتهي كل المحن، أخوك الأصغر سيتزوج قريبا ونظرا لقلة حيلته سيضطر وزوجته للعيش معهم في ذات المنزل فيصبح المكان ضيقا وإن ذهبت سيتوفر سرير آخر، والدك اليوم لم يعد قادرا على تأمين مصاريف البيت وإن تركت المنزل وذهبت فلن يكون مضطرا لدفع قسط المدرسة الحكومية شبه المجانية، وأما شقيقتك الأكبر فلا تقلقي بشأنها لأنها قريبا ستكون مضطرة لترك الجامعة كما تركت خطيبها الذي اكتشفوا بأنه فقير وشجع.
لن تكوني مضطرة للدخول في جدل عقيم مع أحد بعد اليوم، شقيقيتك لن تشاركك هذه السترة أو تلك، سيكون لديك منها الكثير الكثير، ستعيشين حياة لم تحلم بها فتاة جامعية خرقاء، لن تكوني مضطرة للعمل خارج المنزل كما يفعلن ولن تكوني مضطرة للمشي بعد اليوم فلديك من يوصلك إلى حيث تريدين شرط ألا تقودي عربة أو تتعلمي القيادة أصلا.
كم أخاف عليك من الغد، أن تدور الأيام ويكون مصيرك كأمك التي لم تكمل تعليمها واختارت الحياة المرفهة، كانت مرفهة ولكن دوام الحال من المحال، وها هي تموت في اليوم ألف مرة لمجرد التفكير بأنها لم تنه تعليمها، لكن هل تنتقم من نفسها فيك أم ماذا؟
كيف لك أن تتركيني بعد أن وعدتني بأنك لن تفعليها، لن ترتكبي تلك الحماقة ولن تتأثري بأي ضغط يمارسونه عليك، كيف سيكون لنا أن نسترق من العمر ساعاتَ بعد منتصف الليل لنلهو ونتبادل أطراف الحديث فيطيب لنا السمر، كيف سأحتمل خروجك لآخر مرة من باب غرفتنا، وحتى إن عدت إليها فستعودين انسانة أخرى لن أعرفها كما هو الحال الآن، في اللحظة التي تصرين فيها على قتل كل الأشياء ونحري بطرف صفحة تطوينها في دقيقة، ألا تأخذين نصف دقيقة أخرى لتفكري بما قلته أنا لك؟ ألا أستحق ثوان معدودات؟ لا تعرفين بأنهم اختاروك لأنك غير ناضجة تماما، المرأة عندهم بنصف عقل وأنت أقل من ذلك، يريدون صقلك تمثالا من جزئين يتحركان فقط، فم لا يردد إلا "نعم" وجزء لقضاء متعة لا يهم أن تنالي منها إلا الصدمة في سنواتك الخمس عشرة. لوليتا لم تكن إلا نزوة وخطيئة ولا أظنك ستكونين بحال أفضل منها يا صغيرتي، ارقصي ارقصي واسحقي كل ذكرىً كل قبلة كل مشروع اشتركنا به يوما، كل مخطط لأن نتسابق فنرى أيا منا سيقذف الحصوة في البحر أبعد لأننا إن ذهبنا سأقذفها أبعد لأنه لن يفسح المجال لك بأن تكوني لوحدك بعد اليوم، سيكون لديك طفل تحملينه في جوفك كل مرة، وأعرف بأن روحك الرياضية ضيقة ولن تحتملي هزائم أخرى وأكبر... ارقصي فرحا بثوبك وانتعلي الأعلى من الأحذية علك تصبحين أطول فترين الحقيقة من مكان ما ولكن حذار من السقوط أيضا، ارقصي وارسمي ابتسامة أعرض علها تُسيل لعابهم أكثر، ارقصي فرحا إنها آخر لحظات حبنا القديم، آخر مرة نلتقي وآخر مرة أعرفك ولا أعرفك، أعدك بأني سأكمل تعليمي الجامعي حتى وإن وقفت كل التيارات معاكسة في وجهي، سيكون لي حياة يا شقيقتي الصغرى يا شريكة عمري وملابسي وهفواتي وأكواز الذرة ورشفات الطفولة، لكن عديني بأن تتمرني جيدا على ارتداء الحذاء أو الأحذية الكثيرة ذات الأكعاب العالية وأن ترقصي بهذه الغبطة كثيرا وأن يسع صدرك كل الإخفاقات. وأما زواجك هذا فلتباركه السماء التي أقنعوك بأنها تريده أو تحبذه.