Sunday, August 5, 2007

مشاهدات

في زياراتي للمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية كنت قد شاهدت عددا من الأحداث وسمعت من الناس عددا من القصص التي لم أعرف عنها ولا يعرفها الكثيرون، قد تكون عادية وقد تكون غير ذلك تماما أما بالنسبة لي فهي مهمة جدا لأنها جزء من واقع مجتمعنا وتاريخه ولذلك هناك ضرورة لنشرها وحتى وإن كان الأسلوب بسيطا ولا يتسم بعمق التحليل أو الغوص بالأحداث، سأحاول أن أنقل الصور والمشاهدات بأدق ما يمكن ودون أي اضافات
فتاة في النصف الثاني من عشرينياتها، تعيل أسرة من 11 فردا، الأب مريض وغير قادر على الحراك والأم ستخضع قريبا لعملية القلب المفتوح، الأخ الأصغر اكتشف بأنه يعاني من أورام سرطانية موجودة على الكبد واستأصلها في مستشفى خاص تكلفة الليلة الواحدة فيه 70 دينارا أردنيا، لم ينته علاجه بعد إذ أنه سيخضع لعلاج متقدم في نفس المشفى الخاص وسيكون مضطرا لتوفير مصاريف ذلك... المشافي الحكومية في المدينة لا تقدم هذا النوع من العلاجات ومرضى السرطان مضطرون للذهاب لمستشفى خاص في الضفة الغربية أو المشافي الاسرائيلية الخاصة أو السفر إلى الأردن أو أي دولة أخرى.
للشابه أختان تدرسان في كليات مهنية في الضفة الغربية ويدبرن أقساط السكن والدراسة بصعوبة كبيرة، أختهن المعيلة تساعدهن أحيانا ولكن 370$ أمريكيا لن تحتمل كل هذه الأقساط إضافة إلى احتياجات الحياة اليومية وأقساط الجامعة المفتوحة التي تتابع دراستها بها بعد العمل.
للشابة أخ كبير متزوج ويسكن في نفس المنزل، ومنازل المخيمات لا تتعدى لان تكون ثلاث غرف أو أربع على الأكثر.
ابتدأت معاناة العائلة عند مرض الوالد ووجدت الشابة نفسها مجبرة على تحمل مسؤولية نفسها و11 اخا وأختا ووالدا ووالدة.
الغريب في الموضوع أنني عندما ذهبت إلى الميخم برفقة ثلاثة أشخاص، فوجئنا بأن مؤدبة أقيمت على شرفنا وأننا سنكون ضيوف العائلة في ذلك اليوم، ولكن ضيوفهم في مركز اللجنة الشعبية لأن المنزل لن يكون بمقامنا أو ما شابه...
اذا لم يلق بنا فلماذا يجب أن يليق بهم إذن؟؟؟
من مخيم نور شمس/ كانون أول 2006
فتاة أو طفلة لا تتعدى 14 عاما، تجلس في المكتبة الخاصة بوالدها المعتقل والتي تعتبر مصدر الدخل الأساسي للعائلة، تنتظر أخاها ليعود من الجامعة حتى يستلم العمل في المكتبة، هي تدرس في مدرسة حكومية وفي تلك الفترة كان اضراب المعلمين قد دخل شهره الثاني، الأم ترعى شؤون المنزل وتقضي بعض الوقت إلى جانب ابنتها في المكتبة،
الساعة الرابعة تغلق المكتبة وينطلقون جميعا إلى المنزل ليجلسوا حول طاولة رمضان التي ينقصها جمال الأب
الفتاة أخبرتني عندما زرتها في المكتبة بأن والدها كان يفترض أن يخرج في اليوم التالي لزيارتنا، وخلال الأسبوع كنت قد خابرت أصدقائي هناك مرارا لأطمئن عن الفتاة ولكني أعلمت ببرود بأنه لم يخرج، سألت بعصبية عن سبب برود الإجابة وأعلمت بأن حكم الإفراج عن جمال كان قد أصدر أكثر من 5 مرات تقريبا ولكنه في اللحظات الأخيرة يتم إلغاء القرار دون أسباب، جزء من الحرب النفسية التي تمارس ضد المعتقلين السياسين في السجون الاسرائيلية، وقد علمت أيضا في وقت لاحق أنه تم الإفراج عن جمال في مرة من المرات، حتى أنه ودع أصدقاءه في السجن وحمل حقيبته وركب الحافلة إلا أن شرطة السجون قبل أن تقفل باب الحافلة، انزلته وأعادته إلى السجن بدعوى وجود خطأ في الشخص المنوي الإفراج عنه...
ومن معرفتي الشخصية أقول بأن السجين إن خرج من غرفته وليس من قسمه يخضع لأكثر من تفتيش وتدقيق لهويته الشخصية
صعبه على جمال وعلى عائلة جمال الحادثة ها؟؟؟
من مخيم الدهيشة كانون أول 2007
كنت أحاول العمل ضمن فريق لقياس احتياجات الشباب في فئة عمرية محددة، جلسنا في حلقة وبدأ النقاش، لم يأخذ إلا 5-6 أطفال الموضع على محمل الجد، بينما استمر أفراد المجموعة الباقين بالقفز من جهة لأخرى وبالتعليق باستهزاء وسخرية على المشاركين في النقاش، كان من الواضح أن الاكثرية يحاولون لفت الانتباه إلى أنفسهم كل بطريقته، ومن اللافت للنظر أن أطفالا بهذا العمر كانوا قد قسموا أنفسهم إلى دار فتح ودار حماس،،، أحد الأطفال قال أن من النشاطات التي يمارسها هي المشاركة في حلقات القرآن في المسجد، فقفز أحد الأطفال الآخرين وقال (مزبوط هذا حمساوي) طبعا على أساس أنها تهمة... حمزة طفل في التاسعة من عمره، قال لي المنسق في المخيم وعمره 33 سنق تقريبا بضحكة استهزاء، حمزة تخرج من المدرسة بعد الصف الأول واليوم داير، ابتلعت الفكرة من دون هضم، لم أبدي أي اشارة وواصلت العمل، بينما نحن نتابع العمل خرج حمزة من الحلقة، وقف على يديه بطريقة بهلوانية محترفة وبدأ بالدوران من حولنا جميعا، كان من المستحيل أن أريه اهتماما في الوقت الذي كان يفترض به أن يكون أكثر التزاما
وبصراحة كتير حابه أرجع على المخيم وأعمل أي اشي بساعد حمزة في تنمية موهبته وانو برجع على مدرستو
من مخيم الجلزون تموز 2007
مجموعة صبايا عندهم قدرات فعلا ممتازة وقادرين على العطاء والتعلم، الافادة والاستفادة من جميع الفرص، في مخيمهم يقولون أنهم -حتشي وعالفاظي- ومن الغريب أن الذين أخبرونا بذلك تفاخرون بقضاء 5-6 ساعات على القهوة يلعبون الورق وذلك بسبب عدم وجود نشاطات يمكن فعلها
يعني ناس لا بترحم ولا بتخلي رحمة الله تنزل، كنت بتوقع على الأقل انهم يجيبوا سيرة فكرة جديدة أو معقول انو من خلالها يحصل سد للاحتياجات اللي تحدثت عنها الصبايا
واحد من مخيمات الضفة وبلا فظايح
صبية تحدثت وقالت: الي عم عايش بالكويت بشتري الكندرة ب 400 و500 دينار كويتي ومرات ألوف الدنانير، بيلبسهن مره ومرتين وبعدين بفرقهن، بيعطيهن أو اي اشي المهم خلص بتركهن وما برد بلبسهن، القصة انو كانوا العيلة ساكنين بأم الزينات قضا حيفا، ويوم مأجو اليهود طلعت الناس من بيوتها وقعدوا كلهم في مكان واحد اسمو سهل جنزور القريب من جنين، بوقتها ثلجت الدنيا بالأمارة سموها سنة الثلجة الكبيرة، المهم اضطرت هالناس تهج من السهل وعمي ما لقي شحويطته وطلع حافي مش كذا يوم لوصلوا لطولكرم، كبر وطلع على الكويت واشتغل والله اعطاه منيح منيح، صار زي محكيت، أقل كندرة بشتريها بكذا ميت دينار ولما رجع بأول زيارة للبلد ما رضي الا يروح على السهل اللي كان كان مسميه خربوط ووقف هناك وقال سلام خربوط
ولسه بنسمع عن أسوء من هيك!
كمان من مخيم نور شمس آذار 2006
ويتبع في وقت لاحق

Saturday, August 4, 2007

أخيرا

قررت انو ضروري لازم أخلص من هالكم من شغلة اللي فعلا تاعبين حالي من فترة مش قصيرة، بعرفش كيف بدي أحكي أو من وين بي أبدا لأنو أصلا الصور كلها مخلطة في بالي، والأحاسيس كتير غريبة ومريبة بنفس الوقت، عندي ايمان رهيب انو اذا انا كتبت اللي في بالي ممكن جدا أرتاح شوي
ما بقول أبدا انو اللي صار من 11 سنة هو السبب في كل اشي وصلنا عندو اليوم ولا بدي أحمل كل المسؤولية للفترة هديك وما بعرف ليش عم بحكي اني بدي أحمل المسؤولية لفترة على الرغم من أنو المسؤولية عادة بيحملها أشخاص وأشياء تانية
من حوالي 3 جُمع كنت بحضر التلفزيون وبالصدفة سمعت انو بدا اطلاق مجموعة من الأسرى من السجون الاسرائيلية، طبعا فرحت وزعلت وأكيد رغرغوا عيوني طول وأنا قاعدة قدام شاشة التلفزيون وبطلع على المناظر، أكثر منظر فعلا حسيتو قطع قلبي هو لما عيلة كانت مش قادرة تنتظر وصول باصات السجنا للمقاطعة وأجت على حاجز بيتونيا عشان يشوفوا بنتهم اللي تخبروا على الأرجح واحدة من المفرج عنهم، طبعا هي في الباص وبناتها التنتن مع رجال على الأرض، ما قدروا يستنوا ليفتح الباص بابه حتى، لقفها البنات من الشباك وصارت مش عارفة من وين تعبطهم ولا تبوسهم، ما بعرف اذا الكاميرا كانت قريبة ولا أنا اللي سرحت بالتفاصيل بالزيادة... ما علينا رجعتني الحادثة لثماني سنين لورا يوم ما سمعنا انو ابوي "ممكن" يطلع من السجن، اتصل المحامي فينا قبل بيومين، قال ممكن يطلع هاليومين اذا ما غيروا رايهم، طبعا عشنا أسوء لحظات حياتنا بهدولاك اليومين، ساعة يحكي يأكد انة راح يطلع وساعة يرجع يشكك، المهم بالنهاية طلع... بتذكر انو حتى في اليوم اللي طلع فيه انا رحت على المدرسة مع خواتي ومليانين أمل إنو خلص حياتنا الماضية وأخيرا بدها ترجع، الضغط بدو يتخلا عنا ويعف عن حياتنا، راح ترجع كل الأشياء اللي كنا نعملها وتبطل المسؤولية اللي كانت دابحة كل واحد فينا موجودة متل قبل، بس الظاهر انو الأحلام مش كلها بتتحقق ولا الدنيا بتيجي على قد ايدينا حتى لو كانت التوقعات أشياء صغيرة وبسيطة، أبوي قعد في السجن المركزي ثلاث سنين، طبعا السجن المركزي مش أي سجن، وأبوي تهمته ما كانت قليله وما كنا نحلم انو معقول يقضي هالمحكومية الصغيرة مقارنة بالمؤبدات والسنين الطوال، طلع لأنو ما ثبت عليه اشي من لائحة الاتهام المقدمه ضدو، بس شو الفايدة وهو صار مقضي ثلاث سنين من عمرو في السجن؟؟؟ اللي صار صار متل مبقولوا والأيام مضت بس اللي ما بيمضي وولا ممكن يروح هو كل الحواجز اللي انبنت في سجنتو، الإنسان لما بيدخل السجن بيتغير ولما بيطلع كمان بيتغير، والدنيا من جهة تانية بتتغير، واحنا بنحلم وفي الوقت اللي سمعت فيه انو الوالد خلص مروح، ما عرفت من وين أبدا أفكر، بدي أفكر اني خلص من اليوم وطالع ما راح اضطر انزل على السوق عشان اشتري الخضره والفواكه ولا انو اضيع نص نهار وانا بنضف البيت أو أراعي أخوي الصغير أو أطبخ وخصوصا لما أمي مش بالبيت، أمي كانت وقت الحمل بين الدكتور والمحامي والقضاة وشغلها والبيت وهيك وبعد الحمل صارت بالولد وبدها تلحق على الباقي كمان عشان هيك كانت مرات بتضطر لأنها تترك أخوي عندي مع العلم اني كنت صغيرة كثير ومش خرج اني احمل كل هالمسؤوليات مره وحده، خواتي كمان كانوا صغار وكان يفترض اني اشوفلهم الدراسة وألخ ألخ من التفاصيل اللي بهديك الفترة ما كنت واعية بكثرتها أصلا... ما كان في وقت أفكر بأنو الأشياء اللي بسويها كثيرة، كثير صعب مع دراستي ومناهج المدارس الخاصة والدوام المتأخر... باختصار ما ألحق أرفع راسي... بس اليوم انصدمت بأنو الموضوع ترك مكانو فجوة أكبر من اللي كنت بتصورها، بديت بعد 11 سنة أفكر في الأمور واستذكر الأحداث اللي صارت، بديت أحس الفرق وأحس قديش كان ممكن الحياة تكون مختلفة لو أنا فكرت بالموضوع بفترة أبكر من هيك، السجن أخذ أبوي ورجعلي بعد 3 سنين رجال ما بعرفوا، رجال صعب اني احكي معاه بالبساطه اللي بتحكم علاقة أب ببنتو، أبوي انسجن بمرحلة حرجة من عمري، كان قبل مينسجن بيحكي اسمي كل متنفس، بنادي علي، جيبي وودي وتعالي ولما بدو يرافقوا حدا فأنا الحدا، الأفضلية كانت إلي وكنت أموت بس أعملوا أي شغلة بيطلبها، بتذكر كنت مستعدة أعمل المستحيل عشان يكون مبسوط حتى انو مره وانا صغيره كان بدو يعطيني مصاري عشان اشتري من الدكان أغراض للبيت، طارت الورقة من ايدو ونزلت في خرابة مش معمرة بحد البيت وزي الصاروخ محسوبتكم نزلت وراها، يومها من عميان قماري وأنا مش شايفة الا ورقة المصاري دخلت حديدة أساسات البناء في عيني وللحظه هاي بقدر استرجع شكل الوجع، المهم يومها اني جبت العشرة شيكل، هاي مثل كثير ساذج وصغير وبقدر أتذكر كثير أشياء تانية ولحظات فكرت فيها انو أبوي اسطورة وأنا بنتو،
بسنين سجنوا كان الوضع صعب وكانت مطالبنا لازم تكون على قد الحال ودايما كان عزانا الوحيد الرسائل اللي بتوصل من السجن وكلها وعود عادية، بس طبعا كانت بالنسبة النا أمل بنتمنى يتحقق بأقرب وقت، كنا نمسك الرسالة ونخبيها، كل واحد يقرأها في زاوية أو يختار الوقت اللي ما في حد من حوله عشان يعرف يبكي منيح الواحد، ورقة صفرا صغيرة بيسأل أبوي فيها عن أحوالنا، بيبهدلنا اذا كنا سببنا مشاكل أو عذبنا أمي وبيوعدنا بمشاوير وانو يرجع يطلع عشان تسير حياتنا أحلى من قبل، للحظة هاي بطول الرسائل وببكي عليها، بس يمكن اليوم بس أدركت انو ما ببكي بنفس الدافع والسبب، اليوم ببكي على انسان انا فقدتوا على طول وصعب انو يرجع، انسان كان يحطني في حضنوا بالليالي ويحكيلي قصة شلفنطح والطور اللي بنطح، كل يوم بأسلوب وكل يوم بحكاية، فصة شيخ شاشوخ طيور وقصص ما بعلم فيها غير ربنا وأبوي اللي كان على الأغلب بيألفها من السما، لأنو لما كان يحكيلي القصص كان يتطلع دايما على فوق ويحكي، وأنا لما بدي يعيد فكره أقرصو باصبع رجلو اللي أضل ماسكته بالساعات زي اللي خايفة الزلمة يطير ولا يهرب، بس بيوم بالليل ضلو يتطلع على السما وما حكا ولا نص كلمة، ضليت أسأل وأبرم وأحكي ولا حياة لمن تنادي، دخلت نمت وتاني يوم أجا ابن عمي وقال عمي اخذو عن الحاجز وبيوصللكم هالأمانة، المصاري اللي كانت بجيبتو،
أخذو أبوي وشهر طبعا ما بنعرف عنو اشي، يوم تيجي الأخبار انو بالمسكوبية، يوم بالرمله، يوم في نفحا وهيك، ليوم تبلغنا رسميا انو في المسكوبية وانو لازم ناخذلوا أواعي لأنو كانلو من يوم الاعتقال ما غير... يا حبيبي على المسكوبية وقرف المسكوبية، مكان وسخ بتشوف في المنيح والعاطل، وبتسمع فيه من أحسن كلمة لأردء كلمة، غرفة الزيارة في المسكوبية، ثلاث شبابيك على وقتها، بين السجين وأهلو لوح بلاستيك مقوى مخزق وشبك حديد ومسطبه حجر يقعد عليها الكل، مش هون المشكلة، يمهون المسكوبية بجمب السجن المركزي وزيارتو،
بتذكر يوم الزيارة، كانت تسبقوا تحضيرات، انزلي يا فلانه على السوق وجيبي الأغراض اللي طلبها أبوكي وانتي يا فلانه احجزي 3 محلات للزيارة،
في يوم الزيارة الصحوة من الأربعة الفجر، بنحمل هالشناتي اللي فيها أكلاتنا وشرباتنا وأكلات وشربات أبوي وبنطلع عشان نكون على الخمسة قاعدين في باص الصليب، أمي كانت حامل وقتها وما تحب تقعد الا قدام فكنا دايما نركض ونوقف أول ناس في الطابور عشان ناخد الكم من كرسي القدمنيات، رحلة ساعتين أو ثلاثة وحسب التساهيل نكون صرنا على باب السجن، والناس كلها تنزل ركض واحنا امي تكون وزعت المهام ، واحد فينا يكون أخذ كيس الأغراض ووقف في طابور الأشياء وواحد فينا يوقف في طابور تسجيل الزوار، وهون المقلب، انو يطلع من نصيبي أسجل عددنا وأسمائنا لأنو الوقفة ما حدش بيعرف قديش بتطول، ممكن ساعة وممكن تنتين، في مكان الو واجهتين الأولى قضبان والثانية شبابيك، وطبعا شو الوقفة على الشبابيك في الفجر، مصيبة لأنو الهوا البارد بيقلب المعدة والمصارين، ولما تبدا الشمس تطلع تبدا اطس بروس هالناس والعلم ويسير العرق يسيل من قفانا... وطبعا المسافة بين الشباك والقضبان أقل من نص متر بشوي، بيجي الدور على الشباك، بتسأل الشرطية مين هذا ومين هذاك وكم واحد بيزور، بتاخد الهويات ومع السلامة، استنوا لما ينادي عليكم الشرطي عشان الزيارة،
كمان مره ملعون أبو المسطبه الحجر، لازم نقعد عليها على ما ينادي الشرطي، طبعا في ساعة الانتظار هاي الذبان ذبان والصراخ صراخ والبكا ومفاعطة الولاد الصغار، اللي بتمسح في الأرض اللي كلها شخايخ ودبق وقرف، واللي ما بيقدر يمسك حالو ومكرها بيدخل الحمام اللي عليم الله طافحة منو المي خمسة سم على الأرض، طبعا ما بدي أحكي عن الروايح ولا الرمل، اللي كان ينشف الريق والعينين، اذا كنا نكون محظوظين والناس ما سبقت علينا في تسجيل السجنا هينا بندخل في الفوج الأول واذا ما دخلنا في الفوج الأول بكون أكبر خازوق لانو ساعتها بدنا نستنالنا شي كمان ساعتين لنزور،،، الشرطي نادى، الكل وقف يستنى اسمو، قبل ميروح دورو، يلا بسرعة أمي تبدا تلملم فينا وندخل أول مرحلة تفتيش والتانية اللي كانت فعلا بتهز البدن، ادخلوا على غرفة فيها مجندة بروفيشنال، بتمرر أصابعها من أصغر اشي لأكبر اشي فينا، وطبعا متعوسه اللي معها طفل أو رضيع لأنها مضطرة إنها تشلحو كل أواعيه وحتى ... عشان ممكن لا سمح الله يكون مهربلو شغله ولا عمله هناك، الله أكبر يا بني آدمين، يعني الواحد مش لاقي غير هالمكان من كل الاماكن، فش محل أنضف شوي بس، والمشكلة انو مره طلعتها الشرطية كذبه وصدقتها، بتقولها أمي ليش كل التفتيش هذا للولد، كله على بعضه ازا حملتي ما بيجي نص كيلو، قالتلها آل لاااااااا في واخد بيخط في خفاض الولد ساندويتش،،، قالوا العقل زينة وفاقده حزين وهيك هي،،،
المهم خلصنا من المرحلة هاي، علي بعدو، من ربع لنص ساعة زمن انتظار بقاعة مكيفة بسموها المحكمة، بعد انتهاء المدة المحددة لنفاذ الصبر بيفتح باب المحكمة وانطلقوا ايها الفوج الزائر، طريق طويله كنا نقطعها بنص ثانية ركض عشان نأخد دور على الباب الخارجي لقفص الزيارة ونلحق نحجزلنا مسطبة بتوسعلها 3-4 ، المهم بيفتح الباب الأول، بندخل في قفص كبير، بنستنا فيه شوي على المساجين يحضروا حالهم ويطلعوا لقفص الزيارة ومرات كمان عشان اللي كانوا بالفوج الأول يطلعوا، وعادة كانوا هالطالعين من الزيارة يصبحوا على هالمعارف والقرايب ويسألوا الناس بعض عن أحوال السجنا والأوضاع جوا، وطبعا كان ينعرف حال كل واحد من الشباب من وجه أمو وعيلتو،
أخيرا بنوصل القفص أو الزروبة الطويلة اللي بنزور فيها، بيكونوا السجنا بيستنوا وكل عيلة بتركض عند ابنها، يبدو هالناس تبويس من ورا الشبك ولما بحكي شبك هون أكيد يعني انو أكبر مربع سم* سم بالكثير الكثير... المهم تسير الزروبة زي المنحلة وهالناس اللي تضحك ولي تبكي كمان،
اللي مش متعود وجاي أول مره كانت تكون صعبة عليه المذله كلها وشوفة ابنو أو قريبو في القفص،
كنت عادة أعمل جولة أقطع فيها الزروبة ثلاث أربع مرات على متخلص أمي وأبوي حكي بالتفاصيل المهمة اللي كان شوي مش محبب انو نسمعها واللي كان أصلا صعب نسمعها، المهم كنت أشوف كيف شكل وجه نسرين، البنت اللي تعرفت عليها وأبوها محكوم 99 سنة، كنت دايما استغرب كيف بيضحكوا وأحس من جواتي مقهورة عليهم ومرات كثير أضب دموعي غصب عني...
ارجع لأبوي، نحكي ويطمن عن دراستنا وحالنا ويوصينا ما نعذب امي وبعدين في مرحلة لاحقة انو ندير بالنا على أخونا،،، أيام مرت وما كان بيعرف فيها انو البعد جفا وانو مش سهل ابدا انو تكون العلاقة طبيعية بينو وبين ابن ما حملوا وما ضموا...
ما علينا
في زيارتي الأولى كنت بتمشى بعيد بالزاروبه ولا أختي بتنط من بعيد يلا تعالي بدنا ندخل عند أبوي، انا طبعا التخمت لحقتها حتى من غير ما أفهم بالضبط شو القصة، وأتاري ادارة السجون بتسمح للأولاد الصغار انهم يدخلوا لحضن أبياتهم لمدة 10 دقايق ، طبعا صار قلبي يدق زي أكنو أول مره بدي أشوف أبوي بحياتي أو انو أقعد في حضنوا المهم وقفنا على الباب، الشرطي انتا ولد ادخل انتا ولد ادخل ولما وص الدور عندي " انتا ولد ما ادخل" وطبعا كانت لحظة مره ، اتطلعت بالشرطي وعيوني رغرغوا ومليانين دموع، اتطلع في وقال ارجع، ما رجعت طبعا، ضليت واقفة بجمب الباب، عارفة مش راح أدخل لكن برضو ما برجع ودموعي بعرض وجهي، لأنو ما بدي ابكي قدام أبوي طبعا، وخصوصا وهو بالهوضع، طبعا أمي نادت علي شي 50 مره وأنا عامله فيها دان سطوح ودان مزراب، استطرشت وما رديت، بالآخر قدرت شوي ارجع زي قبل، رجعت واطلعت بطرف عيني على الولاد اللي صارو بحضن اباتهم، حزت بنفسي كثير، قعدت ووجهي للحيطه، وظهري لأبوي، ما قدرت أوقف بكا، قالتلي امي طيب ردي على ابوكي، ما رضيت، أو انو يا دوب اتطلعت ولفيت وجهي، لعنت الدنيا بمليون صرمايه عتيقه وحسيت انها بنت كلب كبيره
في المرات التانية طبعا كنت أقصر حالي وتمشي على الجندي العبيط وأدخل وأول مره عبطت فيها أبوي بعد شي كذا شهر كمان كانت صعبة
أبوي لما طلع من السجن حس كمان بالفرق، واحنا حسينا، كان حساس لأصغر صوت وأصغر حركة وأصغر غرض ممكن انو يكون مرمي هون أو هناك في البيت، عصبية وتوتر كانت تزيدها اللحظات اللي كان يحاول فيها انو يحضن اخوي أو ابنو وأخوي ما يقبلوا، طبعا طفل صغير بأول مشيو وحركتو وفيه خفة دم بتدوب كان لا يقاوم، وطبيعي الأب مش استثناء عن أي أحد، كان يحاول كل جهده بلطافه فظيعه انو يقربلو، بس ما كانت تزبط غالبا وكان أخوي يتحول بسرعة من الضحك والمناغشة للبكا والصراخ اللي الو أول من دون آخر.. طبعا أبوي صار يعصب بآخر اشي وما كان سهل عليه يتحمل... احنا، اللي كنا نحاول نكون لطيفين ونغير نمط حياة 3 سنوات سابقة ليتلاءم مع حياتو ومزاجو لاقينا صعوبة رهيبة في التعامل معاه، انسان بيشتغل اشغال حره، خسر مصلحته وكل اشي مادي كان متوفر، يعني لازم يبدا من الصفر، ينحت بالصخر عشان يوفر اللازم أكيد كان بدو يقلق ويتوتر بس اللي دفع الثمن كلنا، من دون استثنا، واليوم مش كثير تغير الوضع لأنو اللي بتخيلو انو ابوي حاول يثبت للدنيا بسرعة انو قادر يسحقها ويتغلب على الفجوة اللي انصنعت بينها وبينو، بس النتيجة !!!! ما بعرف قديش منيحه،
مزبزط اليوم تغير الحال بس بيضل شبح السنسن الماضية بيلاحقنا، بيخنقنا وبيرجعنا للحظات ما بدنا حتى نتخيلها، اللون البني اللي كان السجنا يلبسوه، برودة الصبح والرطوبة العالية، البهدلة من فلان وعلان عشان لازم نعيش حتى لو أبونا سجين ومعتقل
الناس اللي وقفت بأول الصف عشان يستقبلوه ويرحبوا فيه، بعين الله الواحد ما بيقول الا الله بيسامح، بتذكر في يوم لما طلع ابوي من السجن كان الملتقى عند بيت سيدي وما بعرف ليش انا لساتني مقتنعة انو بيت سيدي على الرغم من انو توفى في الفتره اللي كان فيها أبوي معتقل حتى بيوم تشييع الجنازة حطت المحكمة على أبوي شرط تعجيزي، اما بتدفع 100000 شيكل وبتطلع ساعة للجنازة وبس ترجع بتستردهم أو انك ما بتطلع، طبعا الخيار الثاني كان الأصوب، لأنو ما اعتقد انو كان من الصحي انو ابوي يكون ماشي في جنازة والدو وهو مكلبش من رجليه وايديه ومعاه دورية جيش، ما كان الخوف وقتها من المصاري لأنو كانت بتدبر بأسرع ما يمكن بس الأسوة اللي كان راح يكون فيها المشهد كانت راح تكون صعبة وبالتالي ضلوا أبوي يبكي في سجنوا على أبو اللي راح وهو يبكي على ابنو بالسجن ويتمنى انو يشوفوا
المهم ارجع لموضوعي، لما طلع من السجن كانت الاجتماع بدار سيدي واحنا نزلنا هناك شوي متأخرين لأنو كان عندنا مدرسة، الناس كلها عجب صارت تحب أبوي، اشي بتتوقعه واشي ما بتتوقعه، طبعا أنا كنت رجل في عتبة الدار ورجل في الحوش، كنت كل ما اسمع صوت محرك سوبارو أطلع متل المجانين أفكر انهن وصلوا وبهداك اليوم من دون مبالغة مرتلها شي 20 سيارة سوبارو، المهم بعد وقت وصلت السيارة اللي كان فيها عمتي وامي واخوي،
نزل أبوي للشارع وصار الشاطر اللي بدو يعبطوا ويسلم عيه، لاحظت اني كنت واقفه على باب الحوش، بتقطع من جوه، وبحشر دموعي بالعافية، بستنى اللحظة اللي بدي احضن فيها أبوي اللي بعرفوا، بس طول شوي الدور لمن وصلني، معلش اللي استنا على طابور تسجيل اسماء السجنا 3 سنين بيستنا هون واللي استنا الأيام والليالي وكان قبل ساعة بعد الدقايق كمان بستنا، وصل! أخيرا، "ايش وله، كيف حالك، صايره طولي" منيحة الحمد لله مشتاقتلك وطبعا عبطه وبوستين
مشي لقدام وكنت بطلع على خواتي بهديك اللحظة، بقيو جوا وما طلعوا، التفتت لقيتهم على الباب بيستنوا ، سلم عليهم وبوسهم وما كان في اللقاء حرارة،
غريبة! أو يمكن طبيعي
بصراحة مش عارفة بالضبط بس كل منحاول نسخن بتهزمنا البرودة وبنضل نحاول على ما يرجع رجال أخذو في يوم ورجعوه واحد تاني
هون بس بوقف ولا كلمة زيادة!