Tuesday, September 18, 2007

واحد شاي بس مزبوط

اليوم وأنا أتناول كأسا من الشاي تراءات لي عشرات الأفكار والذكريات في البخار المتصاعد عشوائيا أحيانا وباتجاه معاكساتي أحيانا أخرى
أعاكس بخار الشاي؟! وما ألذ الشعور... استغرقت في ذلك وجعلت أمضي على جنح فكرة في كل مره حتى وصلت إلى سكه أو سكا
أحسست بحنين كبير إلى طبيعية سكا وأصالتها وإلى ذلك اللون الأبيض، وإلى تلك اللحظات التي حاولت فيها أن أعيش لحظات وجودي في مكان أعرف أن أجزاء مني تعانق ترابه... يال طهر الأشياء قبل أن يمسها بشر، وما أطيب الشاي البدوي الذي يميل لونه إلى الخروب وطعمه إلى العسل، علما بأني اليوم في غير سكا أحب شايا عاديا خفيف السكر... أضحك عندما أستذكر صدمتي وذهولي أو كميات التركيز الكبيرة التي كنت قد استخدمتها عند الاستماع إلى أحاديث الجدة نواره، وتفاجئي عندما تصمت وتنتظر مني جوابا لسؤال أكتشف متأخرة ماهيته... وأرتبك محاولة الاستعانة بمن حولي لترجمة بعض الأفكار... وكأنني من هونولولو أو موريشوس فتنهرني الجدة سريعا وتقول "ما تفهميني؟؟؟؟" فأبدا بالتساؤل سريعا عن بعض المرادفات التي لم أستطع تحليل أصولها فتنفتر عن ثغرها ابتسامة ذهبية، وتلمع عيناها فأتصور للحظات بأنها كانت أجمل فتيات القبيلة في وقت ما... تشرح لي المعاني من خلال قصص وأحداث وتستغل كل لحظة لتلقنني درسا في شكل حياتنا وفي تقاليدنا وعاداتنا.... تربت على كتفي وتضمني أحيانا وتستعيد في رائحة جدي وأخاها البعيد
أذكر أننا حين تحولقنا حول الدلة والكؤوس عم الصمت والجدة لم تتحدث وكأنها تريد لنا أن نعرف درسا غاب عنا حين سقفتنا بيوتنا وابتعدنا عن طبيعتنا الأولى... بصراحة كنت مترددة في بداية الأمر عندما جلسنا وظننت بأن حديثا يجب أن يدور ولكن شكل الجدة أخذني بحيث كنت أراقب توجه نظرها وأحاول التركيز وبدأت حينها أفهم لماذا أجلستنا هنا بالتحديد، على طرف الجبل ومقابل جبل وبجانب جبل، الأشياء صادقة صريحة واضحة بيضاء لكنها ليست الجنة
جلسنا وقتا طويلا هناك وبدأت أتساءل في صمت عن الزوايا وعن أمور تخص شكل الحياة قبل أن تتحول سكا إلى قرية ويتحول فيها البدو إلى الطابع الريفي أكثر، أين يمكن لجدي ان يكون ولد، أترى هنا؟ أم أنهم لم يمتلكوا أرضا أصلا وكانت حياتهم ما تزال قائمة في ذلك الحين على الترحال والتنقل؟؟؟ هل أتمنى أن أعيش هنا، لا أظن، فأنا لا يمكن أن أتأقلم بسهولة مع الطابع المحافظ بمفهومه التقليدي، ولكن الأشياء هنا طبيعية إلى حد كبير، بسيطة وتحتم على الإنسان ابتكار أدواته وتلبية حاجاته وهنا تكمن اللذة، اكتشاف الأمور وعيش الدهشة الأولى أمام ذلك، مهما تكن الحياة صعبة إلا أنني أحيانا كثيرة أتمنى لو أن أكون هناك ويصقلني بياض الأشياء
ما أعظم أن لا يملك الإنسان شيئا أو أن يصل إلى مرحلة يدرك خلالها جيدا أنه قادر على العيش دون أن يمتلك شيئا إلا نفسه

2 comments:

Unknown said...

على فكرة..انت ذكرتي مواصفات الشاي العربي الحقيقي...لاني شربته مرات كثيرة او بالاحرى لسنوات عديدة في بلاد تعتبر انها ما تزال في الاطار العربي والبدوي..اما الشاي الذي نشربه الآن فهو الشاي على الطريقة الانجليزية

Unknown said...

فعلا ما أجمل أن يعيش الإنسان ... و ان لا يمتلك شيئا الا نفسه ... فامتلاك النفس يعني امتلاك الكثير ... فعندما نعيش حياة على نحو ما من البساطة ... دون أن نشغل االبال بامتلاكنالما هو مادي ... قتخيلي مثلا انك تحملين مبلغ ما من المال و مشيت في سوق شديد الإزدحام سوف يكون تركيزك على ذلك المال خوفا من ان يضيع اما عندما تمشي هكذا دون أن تحمل الا نفسك ... سوف تشغل البال حينها بالإعتناء بنفسك ...أو زي ما بحكوها راح تكون خفيف نضيف ...تحتك الأرض و فوق السما ...