Monday, June 18, 2007

1948 خطوة

"على بعد خطوة من الذكرى وتسعة من المنفى وأربعة من البحر وثمانية أخرى من الطريق الشمالي المؤدي إلى حيفا، يختفي كنز وتظهر آثار أقدام مضطربة عبرت الأرض أو الماء قبل ستة عقود أو أكثر...

ما زالت جذور البيت الصيفي الذي لم تطأه قدماي متغلغلة في أعماق داخلي، وما زلت أشتم رائحة ياسمينة الجيران ورياحين جدتي وأقشعر لقطرات المياه التي ترشق وجهي ويداي وتبلل شعري في ليال كنا نسهر فيها على شرفة أسفلها بحر كبير عاشت فيه سمكة قرش خلتها لن تستطيع يوما الاقتراب لتقضم أخشاب شرفتنا وأحجار بيتنا وشتلة الريحان في القارورة ومعظم أيامنا أيضا.

كلما عبرت الريح جللت أعيني بموجة من البحر الذي بات يسكنني ولا أستطيع أن أسكنه وزحفت على أطراف أقدامي وبين أصابعي ملوحة مياهه محدثة لذة موجعة في جروحي فأستيقظ فجأة لأعود إلى هنا، حيث أُعطينا حياة مؤقتة إلى حين أن نعود أدراجنا من حيث جئنا...

حياتنا في المخيم على بعد 1948 خطوة أو هكذا أتصور، لا يمكن أن تعني أكثر من محطة انتظار مؤقتة، أظن أننا حتما سنعود يوما..."

أظن ذلك ما استطعت قرأته في مجموعة من العيون الحيفاوية، كانت المرة الأولى التي أزور فيها مخيم نور شمس في الضفة الغربية وهو مخيم هُجر معظم سكانه من القرى الحيفاوية في العام 1948، دهشت لعدد من الإشارات التي صادفتها أو وقعت في طريقي، عيون الناس متشابهة ومميزة هناك، صادقة حقا ولامعة جدا حتى أن منهم من يكتفي بالنظر ويترفع عن الكلمة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالذكرى أو المكان الأصلي الذي ينتمون إليه.

لاحظت أن على الجانب الآخر من المخيم سكة قطار حديدية قديمة ترفض أجزاؤها المتبقية الاختفاء وكأنها تحدث فيهم ذلك الهاجس الحي، تبعث فيهم بوحشية ذلك الشعور بالتمرد على الواقع الحالي وتقول :" أنا كقراكم موجودة لا أتلاشى، وأنتم كالقطار مهما عبر وغاب فإنه حتما سيعود، كالشمس التي تشرق في ظهوركم وتغيب على مرأى من أعينكم بمشهد تنقصه السنديانة أو صبارين أو أم الزينات".

في المخيم أيضا ميدان صغير وشجرة وصبار لا يُقتلع ورائحة طوابين، أظن في حيفا شيئا كهذا أيضا وإلا لما كان هنا يوما...
أغرب شعور هو ذلك الذي قد يراودك عند الوقوف في المخيم باتجاه حيفا، لا أعرف لماذا رأيت المتوسط، سمعت هدير أمواجه وداعبت نسائمه قسمات وجهي.

الثلاثاء 9 كانون الثاني 2006

1 comment:

Unknown said...

التفائل جميل ...لكن الواقعية اجمل ....لان ما رايت في المخيم...يذكرني بسكان استراليا الاصليين