Monday, June 18, 2007

بعد عامين

وكأنني هادئة فعلا، وقفت إلى جانب المقعد بذهول غريب إلى أن دفعني أحد الأصدقاء الذين كانوا برفقتي.
كانت المرة الثالثة التي أركب بها قطارا لأنطلق إلى البلدات المجاورة للبلدة التي كنت أقيم فيها.

فبعد أن مرت بنا مفتشة التذاكر أو ما يسمى (الكونترول) واكتشفنا من نظراتها المتسائلة بتعجب بأننا في المكان الخاطئ، أخبرتنا بأن علينا التوجه إلى قاطرة الدرجة الثانية شاسعة الفرق، وعندها حدث كل شيء.

كنا نضحك ونتبادل التعليقات إلى أن وصلنا إلى مقاعدنا في الدرجة الثانية حيث كانت جلستي بجانب الشباك.
عندها كنت قد هدأت وانسحبت من دائرة الضجيج الذي كنا نحدثه، ولحملي على الرجوع ثانية لذلك، قام أحد أصدقائنا بسحبي لأجلس قبالته في الجهة الداخلية وأقعد صديقة أخرى مكاني.

لم أكن أريد النظر إلى المقعد المجاور المقابل لي، فهناك من يراقبني مذ وطأت القاطرة.
حاول صديق لي بأن يستفزني بعدد من الايماءات الساذجة لأنظر إلى الأعلى، إلا أن موجة من الخوف الممزوج بالخجل اجتاحتني فجأة بسبب ذلك الرجل في المقعد المجاور. قد حاولت مليا الاختفاء في معطفي الأسود وكان ما يزال يراقبني ولاحظت ذلك بوضوح مع أني لم أنظر مباشرة إليه.
قررت بأن لا علاقة لي به وأني لا أعرفه ولم أره مع أن هاجسا داخليا ظل يبعث بي شعورا أقوى بأن تلك المعالم الغربية ليست بغريبة أبدا وإلا لما كان سيطيل النظر هكذا إلى درجة تجعل المحيطين يتساءلون باستغراب إذ ما كنت أعرفه.
بعد تجاهل طويل هزمتني الرغبة في أن أنظر إليه.
فعلت،
فما كان منه إلا أن ابتسم وغمرني بأشياء غريبة مختلطة، خوف أكبر وفرح عارم ورغبة في أن أحدثه عن كل الذي كنت أود أن أقوله على الملئ في لحظات أناجي فيها لا أحد سوى نفسي.
إنها المحطة الثالثة وقد وصلنا إلى البلدة التي كنا سنزورها، اتمنى لو أني قلت أي كلمة بلغة أهل البلد عند هبوطي من القطار لذلك الرجل ولكنني لم أفعل.
كأن القدر أحيانا يمنحنا فرصا ذهبية لتحقيق أشياء كنا نرغب فعلا بأن نحققها،
مر عامان تقريبا وانتهت سنوات الدراسة،
عصر يوم شتوي ممل بددت ملله ضحكات شقيقتي وصديقتها اللتان هاتفتاني واقترحتا بأن نعود إلى المنزل سويا، مرة أخرى وقفت بذلك الذهول،
هناك من يراقبني!
تلك الملامح الأوروبية المألوفة، نفس الرجل، هو عينه، الغريب الذي التقيته منذ عامين في قاطرة الدرجة الثانية موجود هنا أمامي مع مجموعة من أصدقائه.
كاد قلبي يتوقف عن النبض، لا أعرف إن كانت شفتي السفلى قد ارتخت كثيرا ولكنها فعلت حسب ما أذكر بقدر نصف فم مقتوح...
أظنه تعجب أيضا لأنه لم يبتسم ولم تحركه تحرشات صديقه الذي كان يحاول استدراجه ثانية إلى حديث كانوا قد بدأوه.
وصلت الحافلة وعشرات من الركاب ينتظرون وأما نحن ففي حالة من الصدمة، المقاعد محدودة وقطرات من الماء بدأت بالتساقط، سحبتني شقيقتي لركوب الحافلة، حاولت سريعا بأن أشرح الموضوع لهما ولكنهما استبعدتا أن يكون نفس الشخص ولكني كنت على يقين تام بعكس ذلك.
بدا أن واحدا من الأصدقاء سيستقل الحافلة التي ركبتها، وبلغة فهمتها جيدا عرفت بأن الخيار لم يقع عليه،
كان بإمكانه أو بإمكاني أن نعبر بأكثر من مجرد الصمت وننطق بالكلمة التي باتت تختزنها أطراف ألسنتنا منذ عامين إلا أنني على الأقل اخترت إغراء القدر بفرصة ثالثة،
التفت، صعدت سلم الحافلة، وانطلقنا بينما هم يتبللون بسبب المطر ويراقبون مغادرتنا
...

No comments: