Sunday, June 24, 2007

مرهقة تملؤها السعادة

عادة هكذا تتدرج الأحداث أو تتساقط، ينتهي يوم متعب وتبدأ الطمأنينة بشق طريقها تدريجيا إلى أضلعي التي يضنيها الإرهاق، أعطي نفسي ساعة من الفراغ، فأتوقف عن العمل ، تلك هي فترة العودة إلى المنزل، غالبا ما أرتخي، ألقي برأسي على نافذة الحافلة أو إلى الوراء، أبدأ بتأمل الأشياء والمشاهد بغير وعي، وأكتشف متأخرة بأنني كنت قد اختزنت ما يكفي من الصور واللوحات. عندها فقط من الممكن لي أن أحس بحجم السعادة التي تجتاحني.
وأظن العلاقة طردية بين التعب والفرح.
عند وصولي إلى المنزل وبعد الأيام المضنية غالبا ما يكون الحمام الساخن أفضل مقدمة لكل شيء.
وخاصة للسقوط على السرير حيث تحصل المراجعة لكل الأحداث بدءا من الاسترخاء في الحافلة، تلك الساعة التي تحمل أجمل لحظات تذوق الالآم خاصة في أطراف أصابع الأقدام وأعلى الكتفين والفكين الذين كانا يحتفظان بابتسامة واسعة...
دعوني أخبركم عن الأمس، وعن قدر القوة التي تسللت إلي عبر شبكة من أروع الرجال والنساء، هكذا سأسميهم، ثمانية من الفتيات والفتية الذين إلتقيتهم في مخيم الدهيشة وقد كنا على موعد للتحدث عن مشروع كنا قد اشتركنا فيه، بالصدفة هاتفني بعض الأصدقاء وأعربوا عن رغبتهم في القدوم إلى المخيم في زيارة أيضا والتحدث للشبان والشابات عن مفهوم المقاومة، كانت تجربة من أروع ما يمكن، تحدث فيها الجميع هناك عن إنطلاقهم من الفن للتعبير عن النفس ولشرح القضية الفلسطينية، جزء من المجموعة هم من أعضاء الجيل الرابع من الفرقة الفنية التي تقدم عروضا مسرحية وأخرى راقصة تروى من خلالها آلآم الرحلة والغربة.
في مخيم الدهيشة يعيش أكثر من 11,000 فلسطيني هجروا من ست وأربعين قرية وبلدة، بعضها لا يبعد عن المخيم بضع كيلو مترات ولربما أن أكثر الأشياء مدعاة للسخرية هو أن أهل المخيم قاموا بتنظيم رحلات إلى بلداتهم الأصلية، فقضوا فيها يوما من حياتهم بعد النكبة،عندها تنشق الصغار عبق العودة وحبى الكبار فوق السلاسل الحجرية والتراب، هنا بيت الزعتر والميرامية ما تزال مكانها بعد كل تلك الأعوام، لكل منهم القدرة على تحديد موقع أرضه بدقة متناهية عجيبة ذلك على الرغم من أن القرية هدمت بعد أن هُجر أهلها...
عندما خرجنا في جولة في المخيم مررنا بجانب إحدى الدكاكين التي ارتشم مدخلها بعدد كبير من الذباب ومع ارتفاع درجة الحرارة التي ترافقها حالة من النزق الشديد لم تجد الذبابات والحشرات مكانا لها إلا مساحة صغيرة من الظل أمام الدكان،
وكأننا من سكان المخيم دخلنا وجلسنا هناك مع اثنتين من النساء الطاعنات في السن،
سألناهن من أين أتين وبمجرد أن ذكرن اسم القرية، تساقطت دموع إحداهن ولم تمسحها إلا بعد فترة وكأنها لا تريد أن تطلعنا على أنها تبكي أصلا وأن هذه الدموع ليست إلا بسبب الحر،
هل ستعدن اليوم لو سُمح لكن بذلك،
طبعا،
أضفنا: لماذا؟
قلن إنه الخير، إنه الوطن، إنها الحياة...
وعندما سألناهم إن كانوا يظنون بأن إقامتهم بالمخيم مجرد محطة مؤقتة، أجبن بأن الجميع اعتقد بأنه سيعود ولكنهم اليوم لا يؤمنون بذلك كثيرا ولكن لمعة عيونهن وبريقهما عند الحديث عن بلدتهما الأصلية لم يتركا لدي شكا بأنهن ما زلن يحملون الأمل،
وبرغم
الفقر والحالة المأساوية التي يعشنها كن قد صممن على أن نشرب الشاي ولكننا تحركنا سريعا قبل ذلك،
حركتنا أرهبت الذبابات التي عادت لتجتمع عند الباب فتفرقت وشققنا طريقنا وسط المخيم

في مركز النشاطات الرئيسي هناك كان فتيان وفتيات الجيل الرابع يهيئون أنفسهم لنقل تلك الطريقة المبتكرة في التعبير عن ذواتهم، وكان أطفال الجيل الخامس بشغف ينتظرون اللحظة التي يؤذن لهم فيها الصعود على خشبة المسرح وكأنه ليس مجرد درسهم الأول ولكن يوم التعب الأول الذي يشعرون بعده بالسعادة وينطلقون إلى عالم أبعد ما يمكن عن الواقع الذي يعيشونه وأقرب ما يمكن إلى طائر محلق.
ألا تشعر الطيور عادة بالنشوة؟!.

5 comments:

الناطق بلسان الباب الاخر said...

وحده من تنتين... يا انه انا كنت مسطول من يومين وما غدرت اقرا شو كتبتي او انك غيرتي الخط...او الامكانيتين
بعد هيك تحيه بسمح لحالي احكيلك عن مدونتك انها رائعه ومتنوعه.. كتابتك جميله جدا وبتفوت على الراس
اشد على يديك واكن لك احتراما على ما تفعلينه في مخيم الدهيشه الذي يعد اكثر رموز النكبه تعاسه ومن يعمل على اسعاد ابناء هذا المخيم وغيره فقد امتلك العالم... الى الامام.. ...

Logged out said...

شكرا كتير على الدعم

ثلاثاء said...

شكرا الاء
:)

Logged out said...

شكرا لأنك موجوده هون ولأنك كنتي موجودة هناك كمان، السبت الجاي للأسف ما في برنامج بس أكيد بنكمل زياراتنا الفظيعة قريبا
:)

Unknown said...

لقد تحدثت عن موضوع غريب بعض الشيء او انني لم اسمعه منذ زمن او ان هناك الكثير من الاشياء طغت عليه واصبح سماعه في هذه الايام رذيلة
المقاومة...من اية قاموس اتيت بهذه الكلمة..او من ارشدك اليها..او لعلها الصدفة..نعم اكيد انها الصدفة ..حيث ان الحديث عن مثل هذا الموضوع اصبح له العديد من التفسيرات ..وفي معظمها سلبية..الا انك وبالفعل ذكرتيني باشياء قديمة جدأ وجميلة في حياتي ..ذكرتيني في ايام كانت فيها المقاومة شيء يفتخر به الانسان ...فعلأ كانت ايام جميلة...الا ان المركز الذي زرتيه وتحدثتي فيه عن المقاومة له صلات بمشروع اسرائيلي من اجل السلام المشترك مع بعض الفلسطينيين ولا اظن انه من المسموح لك هناك بالحديث الا عن السلام