Tuesday, June 19, 2007

ساعة في شارع المدينة

بدأت ثورة البركان في داخلها فجأة، قفزت من مقعدها وأعلنت العصيان على الشاشة التي باتت منذ أشهر تعمل أمامها دون توقف برتابة مملة ودون إنتاج حقيقي.
قررت بأن لديها عملا خارج جدران مكتبها الصغير وبأن هناك ما يتوجب إنجازه في تلك الساعة. خرجت وسلكت طريقا من عشرة أو مئة كانت تعرفها مسبقا، أنهت ذلك العمل الذي خرجت من أجله سريعا ثم مرت ببائع الورد وابتاعت باقة من التغيير الذي ظنت بأنها تحتاجه فعلا.
خطت ابتسامة نفسها على ذلك الوجه المرهق منذ أشهر، ظنت بأن هذا هو الحل ولكن سرعان ما باغتها إصرارها الداخلي على أن أي شيء لن يقتل الملل، فقالت لنفسها لدى مرروها ببعض النساء القابعات على طرف الرصيف يطلبن المساعدة: "كم أنا جشعة مترفة، أشتري الورود بينما تلاحقني أعين المساكين، ترى كم سأهنئ بهذه الزهور؟"
فجأة تلاشت الابتسامة وغاب ذلك السحر الذي يجتاح عيونها عندما تضحك، وتذكرت عنوان رواية توقفت عنده منذ فترة، "ماكياج خفيف هذه الليلة"، على الرغم من الحركة التجارية الكبيرة يجلس أولئك ليسألوا منة الغير، وعلى الرغم من الحزن البادي على وجوههم فإن مدينتهم أضحت تدريجيا تحترف إخفاء مشاعرها وأحزانها سريعا،
مقابل بوابات إحدى المجمعات التجارية وقف نفر من الشبان، خمسة أو ستة على الأكثر، كانوا ينظرون إلى جثة أنزلت من العمارة، لم تكن نظراتهم تحمل أسى بقدر الفضول، عجبت لذلك وشعرت بارتياب حقيقي وأكملت طريقها.
وصلت إلى آخر شارع المدينة ومرت بمحاذاة المكان التي كانت تحب غالبا أن تقضي به وقتا بعد العمل برفقة الأصدقاء ثم عادت أدراجها من حيث أتت، وصلت ذلك المبنى ثانية واختارت أن ترى المشهد من خلال أعين ذلك الشاب الذي كان يجلس في خلفية حافلته التي استخدمها كدكان أيضا، مكتفا كان يجلس في المرة الأولى لدى مرورها، يتابع المشهد ببلادة وتأمل عميقين، لطالما كانت تظن بأن العيون الزرقاء غالبا لا ترى بوضوح وتوهمت بأن الناس الذين لديهم عيون زرقاء غالبا ما يقلصون المسافة بينهم وبين الأشياء ليروها بوضوح، إلا صاحب هذه الحافلة، جلس دون أن يحرك ساكنا حتى أنه لم ينادي ليبيع، غريب ذلك الصمت المرتفع الصوت، ينم عن شيء ما قد يكون اقترب.
رأت المشهد من خلال ذلك الشاب... هل انتهت العملية؟ هل ذهبت الجثة إلى غير رجعة؟ نعم.
عادت المدينة إلى عادتها...
وكأن شيئا لم يحدث...
ولكنها ودون أن تلاحظ أسقطت حجرا من جدارها، ويتوالى سقوط الحجارة دون أن تلاحظ أو تشعر هذه المدينة ويبقى مساكينها على قارعة الطريق والموسيقى تعلو بصخب من جميع زواياها والمساحيق تزين وجه المدينة التي تقضي أشهرا أمام المرآة لتخرج بأبهى حلة،
ترى متى تكبر المدينة وتتوقف عن الاختفاء وراء أقنعة ومساحيق! متى يأتي يوم بماكياج خفيف ويصل الشيء الذي يقترب فيختفي المساكين ويختفي من يجلس في أطراف المدينة عن قصد.

No comments: