Saturday, June 16, 2007

بين أحضان فزاعه

أبي، وصل، مؤكد هو، فأمي قالت بأننا عند وصوله فقط سنشعل العالم فرحا بالمفرقعات، أصوات المفرقعات تعلو وتعلو، كميات كثيفة منها تُطلق. إذن حتما عاد أبي

لكن أم مارسيل لم تعلمه بذلك، ربما أنها أرادت أن تجعل من مجيء والده حدثا مفاجأ، ولهذا السبب تركته يبقى في سريره بسبب المرض وهرعت هي لإحضار أخته الصغيرة عهد من الحضانة، ولنفس السبب مؤكد بأن عمته عائشة اشترت لهما سترتين جديدتين.

لكن أبي باغت أمي وقدم قبل الموعد المحدد… هكذا تسارعت الأفكار إلى مخيلة الصغير لدى محاولته جر كرسي ليتسلق رف أواني الطهي البلاستيكي في المطبخ ويطل من النافذة التي تكشف واجهة المخيم أملا في رؤية والده الذي بات ينتظره منذ ثلاثة أعوام.

كيف سيكون شكل والده؟ هل أصبح مارسيل طويلا مثله، أما زال قويا ويمكن له أن يحمل كيسين من الدقيق على كتفيه في آن واحد؟ وهل ما زال ذلك الخيط ملتفا حول معصمه؟

بعينين يلمع بهما شغف وصل إلى الرف الأخير وبحذر شديد حاول الانتصاب حتى لا يقع ويغضب والدته التي أوصته بألا يغادر سريره إلى أن تعود.

ولكن المنظر كان مخالفا تماما للصورة التي رسمها مارسيل، لماذا تقف هذه الأشياء الغريبة قريبة من مدخل المخيم، وما هذه الصناديق المتحركة خضراء اللون؟
لا يمكن لأبي أن يحضر أشياء مخيفة بهذا الشكل إلى المنزل.

أم خالد تحمل ابنة ولدها خالد التي أحضرتها أمها وخالد معهما قبل يومين من المشفى عندما أحست نعمة بأن البالون الذي في بطنها سيطير إلى الخارج.

حركة غريبة فعلا وأصوات المفرقعات أضحت كثيفة جدا.

هبط مارسيل إلى الأسفل، وركض باضطراب في كل اتجاهات غرفة المنزل الوحيدة، تسائل: لماذا تأخرت أمي، لم يكن يجدر بها تركي وحيدا،

صوت انفجار قوي شل حركة الطفل تماما، تسمر في وسط المكان وانصت إلى صراخ الجارات اللاتي كن يقلن أشياءا مرعبة، كأنه سمع دعواتهم للهرب من المنازل،
اغرورقت أعينه بالدمع وبحركة سريعة ركع بجسده الصغير الهزيل تحت سريرهم جميعا، التقط حذاءه وانزلقت قدماه فيه دون أن يرتديه تماما وخرج من المنزل.

في الطريق المؤدي إلى قاعة النادي كانت تتوجه أم خالد راكضة والصغيرة بين أحضانها، أوقعت غطاء الطفلة الوردي ولم تلتقطه فانحنى مارسيل ورفعه وركض وراءها،
كانت المسافة بينهم بعيدة نسبيا ولكنه سمعها تصرخ وقد توقفت لحظة، باسم والدته وأخته، كما وأنه رأى فتاة وسيدة ملقاتان في وسط الطريق.
اقترب منهما، وقف فجأة أمام والدته وشقيقته، أدنى رأسه قليلا وجعل يمعن النظر في جسدين ملطخين بالدم، صرخ بهما بكل قوته: انهضا، اسرعا، سيدوسكم الناس إن لم تنهضوا، سأحضر ماء لأغسلك يا ماما ويا عهد… أطبق أسنانه وقبضتاه على غطاء طفلة خالد ونعمة ولكنه سقط رغما عنه،
التفت وقد انهكه السعال بسبب الجري والمرض والخوف،
لا أحد هناك…
اقتربت العمالق الخضراء وصوتها مرعب ،
اختفى مارسيل بين البيوت ثم ركض باتجاه المنازل حتى وصل طرف المخيم حيث أرض مقفرة،
اختبأ وراء جدار اسمنتي صغير لكن صوت المفرقعات يعلو ويقترب،
نهض مارسيل ونظر إلى الأرض المليئة بالأشواك ولم يرى إلا الفزاعة، لم يبقى من حوله شيء إلا هي،
الشيئ الوحيد الذي يقف منتصبا ويبدو بعيدا،
بدأ يجري باتجاه الفزاعة وينظر بين كل خطوة وأخرى إلى الخلف،
بعينين تملكهما الرعب وبمزيج من صوت لاهث باك، اقترب منها وكانت ما تزال مشرعة يديها،
قفز باتجاهها وعانقها بجنون،
مرة أخرى نظر إلى الخلف ورأى الغبار والنيران في المخيم،
تشبث بقوة أكبر يحاول الاحتماء بالفزاعة التي كانت مرتفعة قليلا…
بيديه الصغيرتين جعل يضربها ويدفعها إلى الوراء ويبكي دون أن يقول كلمة واحدة،
لم تعانقه كما كان يظن.
هبطت يدا الفزاعة نتيجة للكماته المتكررة،
أجفل لحظة ثم ضمها وعاود عناقها وتقبيلها برجاء وفجأة بدأت الفزاعة بالتخلخل،
دفعت بالصغير على الأرض وسقطت فوقه،
حاول تخليص نفسه وعلا صوت صراخه ولكن أصوات المفرقعات كانت مرتفعة أكثر مما ينبغي.
استأنف محاولاته مرارا في جر نفسه من تحت الفزاعة ولكنه عجز عن ذلك
ومع تكرار المحاولة وانغماس أنامله في التربة وتسربها إلى العمق، أحس بأنها علقت في حبل ما في الأرض وقد بدا له متينا بعض الشيء، شد نفسه إلى الأعلى ممسكا بالحبل عله يعينه على الخلاص ولكن يده أفلتت بقوة وخرجت من التراب.
في طرف أصبعه التفت أجزاء من خيط رث، لكن أليس هذا هو الخيط الذي طالما ارتداه والده في معصمه،
نعم،
هذا جزء منه.
ولكن كيف… ولماذا؟
وترى أين يكون والده
!...

No comments: